بسم الله الرحمن الرحيم

((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون))

صدق الله العلي العظيم

المــــحــكــمــــــــــة الاتـــحــــاديـــــــــــة الـعــــــليـــــــــــا

خلا العراق ومنذ تأسيس الدولة العراقية عام ١٩٢١ ، من وجود محكمة دستورية تتولى الفصل في دستورية التشريعات على اختلاف تدرجها (قوانين ، أنظمة ، تعليمات ، أوامر) التي تصدر عن السلطتين التشريعية والتنفيذية ، وقد احدث ذلك خللاً انعكس سلباً على المؤسسات الرسمية كافة وعلى الأشخاص الطبيعية والمعنوية في مجال الاحتكام الى دستورية التشريعات ... ذلك أن القضاء العادي في العراق ، وقبل تأسيس المحكمة الاتحادية العليا ، كان يصطدم بفكرة عدم جواز تدخله بالفصل في دستورية التشريعات التي يطبقها على الوقائع المعروضة أمامه بداعي ان مهمته هي تطبيق التشريعات وليس الفصل في دستوريتها.

لذا وجب أن تكون هناك محكمة عليا تفصل في دستورية التشريعات لضمان احترام الدستور نصاً وروحاً وترسيخ سيادة القانون في العراق والفصل في المنازعات التي تحصل بين السلطات وغير ذلك من الاختصاصات التي تمارسها المحاكم الدستورية في الأنظمة الديمقراطية في العالم.

وتنفيذاً لإحكام المادة (الرابعة والأربعين) من قانون أدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية الصادر عام ٢٠٠٤ ــ والذي يعد بحق الدستور المؤقت لتلك الفترة ــ صدر القانون رقم (٣٠) لسنة ٢٠٠٥ في ٢٤/٢/٢٠٠٥ بتشكيل المحكمة الاتحادية العليا وحدد اختصاصاتها ومهامها الواردة في المادة الرابعة والأربعين المشار اليها آنفا ، وبناء عليه جرى اختيار رئيس وأعضاء المحكمة بالتصويت السري في مجلس القضاء الأعلى وعلى مدى ثلاث جلسات متفرقات، وبعد دراسة دقيقة للمرشحين وتاريخهم القضائي صدر المرسوم الجمهوري من السلطة الوطنية ممثلة برئاسة الجمهورية بتعيينهم ــ رئيساً وأعضاء ــ وهو برقم (٢) في ١/٦/٢٠٠٥ وجرى تحليفهم اليمين الدستورية أمام السيد رئيس الجمهورية. وبعد صدور قانون المحكمة الاتحادية العليا أضيف الى مهامها المنصوص عليها في قانونها اختصاصات جديدة بموجب دستور جمهورية العراق لسنة ٢٠٠٥. بعدما تحققت الضرورة لإضافتها.

 وقد مارست المحكمة الاتحادية العليا هذه الاختصاصات بكل مسؤولية ، مدركة إن هذه الممارسة هي رسالة قبل إن تكون مهمة وظيفية ... رسالة سامية يحملها القضاء بشرف لترسيخ سيادة القانون والمشاركة في بناء المؤسسات الدستورية عن طريق توضيح وتفسير نصوص الدستور ومن خلال الإحكام والقرارات التي تصدرها لحسم المنازعات المعروضة أمامها ...

 وإنها رسالة شاقة ليس لموضوعها ولكن للظروف التي تمارس هذه المحكمة مهامها فيها والتحديات التي تواجهها ولكنها رسالة مطلوبة وواجبة بامتياز، ولولا إيمان قضاة المحكمة الاتحادية العليا برسالتهم ومثابرتهم وتحملهم المشاق وتحديهم للتحديات بصبر وبصمت بليغ ، ولولا نظرتهم الى مستقبل العراق الديمقراطي التعددي ومصالح شعبه العليا التي تهون معها كل التضحيات لما أنجزت هذه المحكمة مهامها ... فكانت الإحكام والقرارات وثيقة حية تشهد على ذلك ...

نسأل الله وكل الخيرين في هذا البلد الطيب العون في دعم ورعاية جهود هذه المحكمة للسير الى أمام في تحقيق سيادة القانون والمشاركة في بناء المؤسسات الدستورية في عراق التاريخ والحاضر والمستقبل ، ومن الله التوفيق.

القاضي مدحت المحمود
رئيس المحكمة الإتحادية العليا
٣٠/٧/٢٠١٣