القاضي الشعلان يستعجل "ثورة النظام الجنائي".. ويدعو إلى "الإثبات الحر"

القضاء يطمح بتوسيع صلاحيات المحقق في مختلف الجرائم   

إياس حسام الساموك

اقرار قانون رقم (80) لسنة 2012  يعد محطة مهمة للمحققين القضائيين بعد ان نالوا بموجبه عدد من الامتيازات المالية، لكنه ليس نهاية المطاف بالنسبة لهذه الشريحة الطامحة بمساحة اوسع على الصعيد الميداني بالتزامن مع ثقة عالية بالنفس تشجع على اعطائهم صلاحيات، عزت اوساط قضائية فقدانها الى ضعف التشريعات الحالية والحاجة الى ثورة في النظام العقابي العراقي، كما انها دعت الى فك الوثاق المكتبي للمحقق واطلاقه للتماس مع الجوانب المادية والمعنوية للجريمة املا بالوصول الى مرتكبيها بعيدا عن حصر الادلة بحلقة تفضي الى حقيقة مفترضة قد تكون بعيدة عن الواقع.

مؤخرا، انتهت دورة اعداد 53 معاوناً قضائيا للعمل في ميدان التحقيق بنجاح جميع المشاركين فيها، التي وصفت بالمهمة والفريدة الغرض منها توفير ملاكات قادرة على التصدي بكفاية للمهام التحقيقية في المحاكم بما يتناسب مع الظرف الحالي.

عادل الشعلان، قاضي الجنح في رئاسة محكمة استئناف الكرخ الاتحادية ذكر ان "قانون اصول المحاكمات الجزائية رسم اختصاصات المحقق القضائي ووضعه تحت اشراف قاضي التحقيق"، مبينا ان "الاول ينفذ قرارات القاضي من بينها تدوين اقوال المشتكي وربط شهادة الوفاة او الاستماع الى الافادات دون إن يأخذ على عاتقه توجيه الدعوى".

 

الطريق الانسب للانظمة الجنائية

وفرق الشعلان، الذي عمل قاضي تحقيق لفترات طويلة، في مقابلة مع (المركز الاعلامي للسلطة القضائية) بين نوعين من الانظمة الجنائية المعتمدة في العالم بالقول ان "هناك الاسلوب الحر في تحري الادلة لاثبات الجريمة اما الاخر المقيد بالنصوص الواردة وهو المعتمد في العراق تحت عنوان اسباب الحكم"، ولكنه يفضل "الطريق الاول باعتباره الاكثر انتشارا واخذت به نحو 120 دولة"، مؤكدا ان "واجبنا يكمن بتطبيق القانون الصادر من الجهات التشريعية ولسنا مسؤولين عن اختيار احد الشقين". مستنتجا ان "التقييد يولد لدينا حقيقة قضائية تفوق الواقعية وبالمحصلة فأن اغلب القرارت الصادرة تكون بالافراج لعدم كفاية الادلة".

ويعود قاضي الجنح ليربط بين النظام الحر وصلاحيات المحقق بانه  "يفسح مجالا اوسع امام التحري عن جميع الادلة مادية كانت ام معنوية والتعاطي مع اي شيء يمكن ان يؤدي لكشف الجريمة وهو امر ينسحب الى عمل قاضي التحقيق ايضاً"، مبينا انه "في ظل النظام الساري بالعراق فأن حسم القضية من عدمه يعتمد على اطراف الدعوى باعتبارهم المسؤولين عن تقديم الادلة واذا ما حصل تنازل او جرى تركها فأنها تهمل".

وعد الشعلان "عمل المحقق مكتبياً فهو لم يصل مرحلة دخول الميدان"، منتقدا "زج كل المحققين في شتى انواع الجرائم"، ويرى بأن "تكون هناك فئة خاصة يجري انتخابها على اساس الكفاءة والمهنية يكون عملهم خاص بالجنايات فلا يمكن ان نخلط بينهم وبين العاملين في الجنح والمخالفات"، موضحا ان "بعض التشريعات الدولية تشجع على هذا التوجه"، مشترطا ان "يمنح المحقق الذي يعمل في قضايا الجنايات دعماً معنوياً كاملاً بتوفير وسيلة نقل له بصورة مستمرة ومفرزة يستعين بها عند شروعه بالعمل الميداني"، كاشفا ان "سأدرج هذا الامر ضمن مقترح اعد له حاليا على امل تقديمه لرئاسة مجلس القضاء الاعلى خلال الفترة المقبلة ".

 

صلاحيات مفقودة تتخطى المحقق

واشار الشعلان الى ان "وجود المحقق في موقعه يفضي الى تعطيل حسم الدعوى، لانه سيبقى ينتظر وصولها من ضابط التحقيق الذي قد يكون غير نزيه في بعض الاحيان".

قاضي الجنح فسر الغبن الذي تعرض له المحقق في التشريعات بـ "وجود مبدا يستنبط من الاطلاع على قانون اصول المحاكمات الجزائية المتمثل بعسكرة المجتمع تماشيا مع الفترة التي سن فيها عام 1971"، وعزاه الى إن " سلطة المحقق لم تمنح  في تلك الحقبة الى شخص مدني تخرج في كلية القانون انما رماها في ملعب المراتب الامنية وهذا ما ليس موجودا في العالم المتطور".

ضعف الصلاحيات لا يقتصر على المحقق بل امتد وحسب الشعلان الى "قاضي التحقيق الذي جعله القانون حبيس جمع الادلة من دون مناقشتها وترك الامر الى محكمة الموضوع"، وعده "توجه خاطئ يجب معالجته بأيجاد مساحة اوسع للتعامل مع الدعاوى المعروضة"، متسائلا "كيف سيكون حال المحقق اذا كان مسؤوله المباشر محجم الصلاحيات؟".

على الرغم من علامات الاستفهام العديدة التي وضعها على صلاحيات المحقق يعول الشعلان عليه كثيراً ووصفه بـ "المبدع اذا تهيات له الفرصة الكاملة بتوفير وسائل الدعم المادية والمعنية وادخاله دورات خارجية للافادة من التجارب العالمية ونقل النقاط الايجابية منها الى الواقع بما يتناسب مع الوضع العراقي"، منبها ان "قاضي التحقيق يدعم محقيقه الجيدين لما لهم من دور في انجاز الاعمال بأسرع وقت ممكن".

 

حصر مهام الضباط بالتنفيذ

وردا على سؤال بخصوص امكانية تجريد الضباط المخولين من صلاحية التحقيق في الفترة الحالية ذكر الشعلان " قد يبدو الامر صعباً لان هذه الفئة لديها امكانيات كبيرة فلا يمكن سحب البساط من تحتها مع

عدم وجود محققين مؤهلين"، موضحا انه"بتوفير الطاقم التحقيقي المتخصص نحصر صلاحية الضابط بموجب نص قانوني ويكون دورهم محصوراً في تنفيذ قرارات القاضي والمحقق".

وجود نقاط سلبية لا يعني عدم امكانية حل المشكلات الخاصة بصلاحيات المحققين وسواها والتي يجب

ان تكون في مقدمتها وعلى ما يقول الشعلان "ثورة تشريعية تضمن اعادة النظر في النظام الجنائي

 بتعديل القوانين؛ (اصول المحاكمات الجزائية والعقوبات والادعاء العام)"، داعيا "مجلس القضاء الاعلى الى تشكيل لجنة متخصصة تنظر في مقترحات جميع القضاة الخاصة بتعديل النصوص التي يجب معالجتها بالتزامن مع التطور الحاصل في المجتمع كي يتم تحويلها فيما بعد الى مقترحات قوانين تعد من ذات الجهة تفاديا لحصول تداخل فيما بينها".

 

مطالب لدعم العمل التحقيقي

وعلى صعيد ذي صلة اشاد المحقق القضائي حيدر محمد صاحب بالدور الذي لعبته رئاسة مجلس القضاء الاعلى في دعم شريحته من خلال اسهامها بشكل مباشر في اقرار قانون رقم (80)، ويأمل تفعيل مقترح تحويل المحقق الى قاضي تحقيق بعد خبرة عشر سنوات.

صاحب المنسوب الى محكمة تحقيق الكرخ افاد في حديث لـ(المركز الاعلامي للسلطة القضائية) بأننا "نعمل على وفق ما اقرته القوانين والانظمة والتعليمات الصادرة من الجهات المعنية"، لافتا الى اننا "نحاول توظيف الصلاحيات المنصوص عليها على أتم وجه".

ولم يخف صاحب "الحاجة الى منح المحقق صلاحيات اوسع بما يخدم الجانب الميداني ويأتي بنتائج ايجابية تدعم عملية التحقيق وسرعة حسم الدعوى"، منوها الى "ضرورة إيجاد مفرزة أمنية يجري التعامل معها وقت الحاجة لاننا نعتمد على الشرطة القضائية في الوقت الحالي وعددها قليل وليست متوفرة بشكل دائمي كونها مرتبطة باعمال اخرى".

واعرب صاحب عن أسفه كون "الإمكانيات المتوفرة عند ضابط التحقيق في المراكز الامنية تفوق على التي يمتلكها المحقق القضائي رغم ان الاخير هو صاحب الاختصاص قانونا".

كما اكد صاحب "النقص في طواقم المحققين بسبب قلة الدورات المخصصة للغرض"، مضيفا ان "الدورة الاخيرة حصلت بعد غياب سنوات عدة كما إننا نأمل بزيادة اعداد المشاركين فيها مستقبلاً"، متمنيا بان "يتم سحب جميع الدعاوى من الجهات الامنية وايداعها لدى القضاء وهناك ارادة حقيقية من خلال عمل مكاتب التحقيق القضائي التي شكلها مجلس القضاء الاعلى اواخر عام 2010".